فصل: سورة براءة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: نيل المرام من تفسير آيات الأحكام



.تفسير الآية رقم (61):

الآية العاشرة:
{وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَها وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (61)}.
{وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَها}: الجنوح: الميل.
والسلم: الصلح.
وقد اختلف أهل العلم: هل هذه الآية منسوخة أم محكمة؟ فقيل: هي منسوخة بقوله تعالى: {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ} [التوبة: 5] قاله ابن عباس.
وقيل: ليست بمنسوخة لأن المراد بها قبول الجزية، وقد قبلها منهم الصحابة فمن بعدهم، فتكون خاصة بأهل الكتاب. قاله مجاهد.
وقيل: إن المشركين إن دعوا إلى الصلح جاز أن يجابوا إليه، وتمسك المانعون من مصالحة المشركين بقوله تعالى: {فَلا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ وَاللَّهُ مَعَكُمْ} [محمد: 35]، وقيدوا عدم الجواز بما إذا كان المسلمون في عزة وقوة لا إذا لم يكونوا كذلك فهو جائز كما وقع منه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم من مهادنة قريش، وما زالت الخلفاء والصحابة على ذلك، وكلام أهل العلم في هذه المسألة معروف مقرر في مواطنه.

.تفسير الآية رقم (66):

الآية الحادية عشرة:
{الْآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنْكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفاً فَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ صابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ أَلْفٌ يَغْلِبُوا أَلْفَيْنِ بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ (66)}.
{الْآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنْكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفاً فَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ صابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ أَلْفٌ يَغْلِبُوا أَلْفَيْنِ} أوجب على الواحد أن يثبت لاثنين من الكفار.
قيل: في التنصيص على غلب المائة للمائتين، والألف للألفين، إنه بشارة للمسلمين بأن عساكر الإسلام سيجاوز عددها العشرات والمئات إلى الألوف.
وقد اختلف أهل العلم: هل هذا التخفيف نسخ أم لا؟ ولا يتعلق بذكر ذلك كثير فائدة.
أخرج البخاري والنحاس في ناسخه وابن مردويه والبيهقي في سننه عن ابن عباس قال: «نزلت: {إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ} [الأنفال: 65] شق ذلك على المسلمين حين فرض عليهم أن لا يفر واحد من عشرة فجاء التخفيف بقوله: {الْآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنْكُمْ} الآية. قال: فلما خفف اللّه عنهم من العدة نقص من الصبر بقدر ما خفف عنهم».

.تفسير الآية رقم (67):

الآية الثانية عشرة:
{ما كانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيا وَاللَّهُ يُرِيدُ الْآخِرَةَ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (67)}.
{ما كانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ}: هذا حكم آخر من أحكام الجهاد.
ومعنى ما كان لنبي: ما صح له وما استقام.
والأسرى جمع أسير. ويقال في جمع أسير أيضا: أسارى بضم الهمزة وبفتحها، وهو مأخوذ من الأسر، وهو القد، لأنهم كانوا يشدون به الأسير.
وقال أبو عمرو بن العلاء: الأسرى هم غير الموثقين عند ما يؤخذون، والأسارى هم الموثقون ربطا.
والإثخان كثرة القتل والمبالغة فيه، يقال: أثخن فلان في هذا الأمر، أي بالغ فيه.
فالمعنى ما كان لنبي أن يكون له أسرى، حتى يبالغ في قتل الكافرين، ويستكثر من ذلك.
وقيل: معنى الإثخان التمكن.
وقيل: هو القوة. أخبر اللّه سبحانه أن قتل المشركين يوم بدر كان أولى من أسرهم وفداهم، ثم لما كثر المسلمون رخّص اللّه في ذلك فقال: {فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِداءً} [محمد: 4].

.تفسير الآية رقم (72):

الآية الثالثة عشرة:
{إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَهاجَرُوا وَجاهَدُوا بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا أُولئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهاجِرُوا ما لَكُمْ مِنْ وَلايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ حَتَّى يُهاجِرُوا وَإِنِ اسْتَنْصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ إِلَّا عَلى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثاقٌ وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (72)}.
{وَالَّذِينَ آمَنُوا}: من المقيمين بمكة المكرمة.
{وَلَمْ يُهاجِرُوا}: منها مبتدأ خبره.
{ما لَكُمْ مِنْ وَلايَتِهِمْ}: أي من نصرتهم وإعانتهم أو من ميراثهم، ولو كانوا من قراباتكم.
{مِنْ شَيْءٍ} لعدم وقوع الهجرة منهم.
{حَتَّى يُهاجِرُوا}: فيكون لهم ما كان للطائفة الأولى، الجامعين بين الإيمان والهجرة.
{وَإِنِ اسْتَنْصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ}: أي هؤلاء الذين آمنوا ولا يهاجروا إذا طلبوا منكم النصرة لهم على المشركين.
{فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ}: أي فواجب عليكم، {إِلَّا} أن يستنصروكم، {عَلى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثاقٌ}: فلا تنصروهم، ولا تنقضوا العهد الذي بينكم وبين أولئك القوم حتى تنقضي مدته، وهي عشر سنين.

.تفسير الآية رقم (75):

الآية الرابعة عشرة:
{وَالَّذِينَ آمَنُوا مِنْ بَعْدُ وَهاجَرُوا وَجاهَدُوا مَعَكُمْ فَأُولئِكَ مِنْكُمْ وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (75)}.
{وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ}: من غيرهم ممن لم يكن بينه وبينهم رحم في الميراث، والمراد بهم القرابات، فيتناول كل قرابة.
وقيل: المراد بهم هنا العصبات، كقول العرب: صلتك رحم فإنهم لا يريدون قرابة الأم، ولا يخفى عليك أنه ليس في هذا ما يمنع من إطلاقه على غير العصبات.
وقد استدل بهذه الآية من أثبت الميراث لذوي الأرحام، وهم من ليس بعصبته ولا ذي سهم على حسب اصطلاح أهل علم المواريث، والخلاف في ذلك معروف مقرر في مواطنه.
وقد قيل إن هذه الآية ناسخة للميراث بالموالاة والنصرة عند من فسّر ما تقدم، من قوله: {بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ} [الأنفال: 72]. وما بعده، بالتوارث.
وأما من فسّرها بالنصرة والمعونة، فيجعل هذه الآية إخبارا منه سبحانه وتعالى بأن القرابات بعضهم أولى ببعض.
{فِي كِتابِ اللَّهِ}: أي في حكمه أو في اللوح المحفوظ، أو في القرآن، ويدخل في هذه الأولوية في الميراث دخولا أوليا، لوجود سببه أعني القرابة.

.سورة براءة:

آيها مائة وثلاثون أو سبع وعشرون آية.
ولها أسماء منها: سورة التوبة لأن فيها التوبة على المؤمنين.
وتسمى: الفاضحة لأنه ما زال ينزل فيها: ومنهم، ومنهم، حتى كادت أن لا تدع أحدا.
وتسمى: البحوث لأنها تبحث عن أسرار المنافقين إلى غير ذلك. وهي مدنيّة.
قال القرطبي: باتفاق.
أخرج أبو الشيخ عن ابن عباس قال: نزلت (براءة) بعد فتح مكة بالمدينة.

.تفسير الآيات (1- 5):

الآيات الأولى والثانية والثالثة والرابعة والخامسة:
{بَراءَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى الَّذِينَ عاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (1) فَسِيحُوا فِي الْأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللَّهِ وَأَنَّ اللَّهَ مُخْزِي الْكافِرِينَ (2) وَأَذانٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ أَنَّ اللَّهَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ فَإِنْ تُبْتُمْ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللَّهِ وَبَشِّرِ الَّذِينَ كَفَرُوا بِعَذابٍ أَلِيمٍ (3) إِلَّا الَّذِينَ عاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ثُمَّ لَمْ يَنْقُصُوكُمْ شَيْئاً وَلَمْ يُظاهِرُوا عَلَيْكُمْ أَحَداً فَأَتِمُّوا إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلى مُدَّتِهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ (4) فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ فَإِنْ تابُوا وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (5)}.
{بَراءَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ}: أي هذه براءة، يقال: برئت من الشيء أبرأ براءة وأنا منه بريء، إذا أزلته عن نفسك، وقطعت سبب ما بينك وبينه.
{إِلَى الَّذِينَ عاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (1)} العهد: العقد الموثق باليمين، والخطاب للمسلمين وقد كانوا عاهدوا مشركي مكة وغيرهم بإذن من اللّه والرسول صلّى اللّه عليه وآله وسلّم.
والمعنى الإخبار للمسلمين بأن اللّه ورسوله قد برئا من تلك المعاهدة، بسبب ما وقع من الكفار من النقض، فصار النبذ إليهم بعهدهم واجبا على المعاهدين من المسلمين. ومعنى براءة اللّه سبحانه، وقوع الإذن منه- سبحانه- بالنبذ من المسلمين لعهد المشركين بعد وقوع النقض منهم وفي ذلك من التفخيم بشأن البراءة والتهويل لها، والتسجيل على المشركين بالذل والهوان ما لا يخفى.
{فَسِيحُوا}: أيها المشركون.
{فِي الْأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ}: هذا أمر منه سبحانه بالسياحة بعد الإخبار بتلك البراءة.
والسياحة: السير، يقال: ساح فلان في الأرض، يسيح سياحة وسيوحا وسيحانا.
ومعنى الآية أن اللّه سبحانه بعد أن أذن بالنبذ إلى المشركين بعهدهم، أباح للمشركين الضرب في الأرض والذهاب إلى حيث يريدون، والاستعداد للحرب هذه الأربعة الأشهر.
وليس المراد من الأمر بالسياحة تكليفهم بها، قال محمد بن إسحاق وغيره: إن المشركين صنفان:
صنف كانت مدة عهده أقل من أربعة أشهر، فأمهل تمام الأربعة الأشهر.
والآخر كانت أكثر من ذلك، فقصر على أربعة أشهر، ليرتاد لنفسه وهو حرب بعد ذلك للّه ولرسوله وللمؤمنين يقتل حيث يوجد. وابتداء هذا الأجل يوم الحج الأكبر وانقضاؤه إلى عشر من ربيع الآخر.
فأما من لم يكن له عهد فإنما أجله انسلاخ الأشهر الحرم: وذلك خمسون يوما:
عشرون من ذي الحجة وشهر محرم.
وقال الكلبي: إنما كانت الأربعة الأشهر لمن كان بينه وبين رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم عهد دون أربعة أشهر، ومن كان عهده أكثر من ذلك فهو الذي أمر اللّه أن يتم له عهده، بقوله تعالى: {فَأَتِمُّوا إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلى مُدَّتِهِمْ}.
ورجح هذا ابن جرير وغيره إلى قوله: {إِلَّا الَّذِينَ عاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ثُمَّ لَمْ يَنْقُصُوكُمْ شَيْئاً} أي لم يقع منهم أي نقص، وإن كان يسيرا، وفيه دليل على أنه كان من أهل العهد من خاس بعهده ومنهم من ثبت عليه، فأذن اللّه سبحانه لنبيه صلى اللّه عليه وآله وسلّم بنقض عهد من نقض، وبالوفاء لمن لم ينقض إلى مدته.
{وَلَمْ يُظاهِرُوا عَلَيْكُمْ} المظاهرة: المعاونة، أي لم يعاونوا أحدا من أعدائكم.
{فَأَتِمُّوا إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ}: أي أدوا إليهم عهدهم تاما غير ناقص إلى مدتهم التي عاهدتموهم إليها، وإن كانت أكثر من أربعة أشهر، ولا تعاملوهم معاملة الناكثين من القتال بعد مضي المدة المذكورة سابقا، وهي أربعة أشهر، أو خمسون يوما على الخلاف السابق. {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ (4)}.
{فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ}: انسلاخ الشهر تكامله جزءا فجزءا إلى أن ينقضي، كانسلاخ الجلد عما يحويه، شبه خروج المتزمن عن زمانه بانفصال المتمكن عن مكانه.
وقد اختلف العلماء في تعيين الأشهر الحرم المذكورة هنا؟ فقيل: هي الأشهر الحرم المعروفة، التي هي: ذو القعدة وذو الحجة ومحرم ورجب، ثلاثة سرد، وواحد فرد.
ومعنى الآية- على هذا- وجوب الإمساك عن قتال من لا عهد له من المشركين في هذه الأشهر الحرم، وقد وقع النداء والنبذ إلى المشركين بعهدهم يوم النحر، فكان الباقي من الأشهر الحرم التي هي الثلاثة المسرودة خمسين يوما تنقضي بانقضاء شهر المحرم، فأمرهم اللّه بقتل المشركين حيث يوجدون من حل أو حرم، وبه قال جماعة من أهل العلم منهم الضحاك. وروي عن ابن عباس واختاره ابن جرير.
وقيل: المراد بها شهور العهد المشار إليه بقوله: {فَأَتِمُّوا إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلى مُدَّتِهِمْ}، وسميت حرما لأن اللّه سبحانه حرم على المسلمين فيها دماء المشركين والتعرض لهم.
وإلى هذا ذهب جماعة من أهل العلم منهم: مجاهد وابن إسحاق وابن زيد وعمرو بن شعيب.
وقيل: هي الأشهر المذكورة في قوله: {فَسِيحُوا فِي الْأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ}. وقد روي ذلك عن ابن عباس وجماعة، ورجّحه ابن كثير، وحكاه عن مجاهد وعمرو بن شعيب ومحمد بن إسحاق وقتادة والسدي وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم.
ومعنى {وَخُذُوهُمْ}: الأسر فإن الأخيذ هو الأسير.
ومعنى {وَاحْصُرُوهُمْ} منعهم من التصرف في بلاد المسلمين إلا بإذن منهم.
{وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ}: هو الموضع الذي يرقب فيه العدو.
وهذه الآية المتضمنة للأمر بقتل المشركين عند انسلاخ الأشهر الحرم لكل مشرك، لا يخرج عنها إلا من خصته السنة، كالمرأة والصبي والعاجز الذي لا يقاتل وكذلك يخصص منها أهل الكتاب الذين يعطون الجزية على فرض تناول المشركين لهم.
وهذه الآية نسخت كل آية فيها ذكر الإعراض عن المشركين والصبر على أذاهم.
وقال الضحاك وعطاء والسدي: هي منسوخة بقوله تعالى: {فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِداءً} [محمد: 4]، وأن الأسير لا يقتل صبرا، بل يمن عليه أو يفادى.
وقال مجاهد وقتادة: بل هي ناسخة لقوله: {فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِداءً}، وأنه لا يجوز في الأسارى من المشركين إلا القتل.
وقال ابن زيد: الآيتان محكمتان.
قال القرطبي: وهو الصحيح، لأن المنّ والقتل والفداء لم تزل من حكم رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم فيهم من أول يوم حاربهم وهو يوم بدر.
{فَإِنْ تابُوا وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكاةَ}: أي تابوا عن الشرك الذي هو سبب القتل، وحققوا التوبة بفعل ما هو أعظم أركان الإسلام، وهو إقامة الصلاة، وهذا الركن اكتفى به عن ذكر ما يتعلق بالأبدان من العبادات، لكونه رأسها. واكتفى بالركن الآخر المالي وهو إيتاء الزكاة عن كل ما يتعلق بالأموال والعبادات، لأنها أعظمها.
{فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ}: أي اتركوهم وشأنهم، فلا تأسروهم، ولا تحصروهم، ولا تقتلوهم.